عرض المقال
عودة الوعى
2013-04-25 الخميس
أصدر توفيق الحكيم فى زمن السادات كتابه «عودة الوعى»، الذى كان بداية سلسلة كتب الهجوم على الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وقد هوجم وقتها وصدرت ضد الكتاب عدة كتب تفند آراء الحكيم، وكان الكاتب الصحفى محمد عودة أقسى وأشد المفندين والمهاجمين، لن أتحدث عن تفاصيل تلك المعركة ولكن عن فلسفة عودة الوعى للمثقف بعد فوات الأوان، كما حدث مع توفيق الحكيم، الذى اعترف عبدالناصر نفسه بأنه كان من ضمن ملهميه بمسرحياته التى بشرت بالثورة، وهذا يعنى أن الحكيم كان من الممكن أن يعترض وينتقد ويصحح مسار الثورة كما يريد، انطلاقاً من مكانته وحظوته عند ناصر وقت حياة وحكم عبدالناصر، لكن أن يستيقظ الوعى فجأة وكأنه وعى تحت الطلب أو وعى دليفرى فهذه هى الكوميديا السوداء، وهذا نفس الوصف الذى يناسب استقالة الثنائى مكى جاد الله، التى جاءت متأخرة وبمثابة تطهر وغسل ذنوب وركوب قطار الثورية والتمرد بعد أن غادر القطار المحطة! عودة الوعى لمكى وجاد الله القانونيين والمستشارين الجليلين لا يمكن أن نقبله كتبرير، فالوعى الذى يقبل أساساً أن يشارك فى نظام مهترئ مثل هذا النظام وعى غائب وميت إكلينيكياً ولا تنفعه قبلة حياة الاستقالة ولا أسطوانة أكسجين خطابات النقد، هل حصار المحكمة الدستورية الذى لم يستفز الاثنين وخرج كل منهما يوجد مبررات ويدافع عن موقف الرئيس المتخاذل، هل هذا الحصار لم يوقظ وعى الثنائى مكى جاد الله؟ هل معركة فرض النائب العام بهذا الشكل وضد رغبة التيار العام والأساسى للقضاة والتى أيضاً وقف الاثنان لتجميلها وإيجاد المبررات القانونية الهشة لإعلان الرئيس اللادستورى، هل هذه المعركة لم تحدث صدمة كهربائية للوعى المكى والجادللى فيفيقان ويستفيقان؟! هل الحس القانونى الضعيف للإخوان وكراهيتهم الدفينة لرجال القضاء لم تسترع انتباه مكى وجاد الله فيقفان ثوانى لمراجعة النفس ليقولا نحن لا يشرفنا أن نخدم هذا الفصيل ونبرر له ونجمل صورته ونضع مساحيق تجميل لإخفاء قبحه ودمامته ونستخدم كجسر لتمرير كل ما هو غير قانونى وفاشى؟! لا بد لكل مثقف أن يدرك جيداً أن الوعى لا يستعاد وإنما يخلق وينسج على مهل وأثناء عملية تشكيل الوعى تلك تحدث مراجعات لا تراجعات وخيارات لا خيانات ولكن الذى لا بد أن نتفق عليه هو أن المثقف لا بد أن تكون لديه عيون ونبوءة زرقاء اليمامة وجسارة المواجهة والاعتراف بالخطأ وحسن اختيار التوقيت، لا بد أن تكون بوصلته مضبوطة وترمومتره دقيقاً وراداره سريع الالتقاط غير مشوش.
فات الميعاد على عودة الوعى.